ياسر المتولي
يجمع خبراء الاقتصاد حول العالم على أن أحد أهم أسباب الأزمات المالية التي تمر بها البلدان يعود إلى الأزمة العقارية .
وتبقى شواهد العام 2008 شاخصة حيث تعرضت الولايات المتحدة الأميركية إلى أزمة مالية حادَّة ظلت آثارها وانعكاساتها ممتدة لسنوات طوال في الاقتصاد العالمي .
ولعل وراء تلك الانعطافة في مستقبل الاقتصاد العالمي كانت الأزمة العقارية التي هزَّت الاقتصاد الأميركي وألقت بظلالها على اقتصادات أغلب البلدان .
وكان السبب هو التوسع الكبير بمنح القروض العقارية بين المواطنين بشكل كبير مما شجعهم على الاقبال على شراء وحدات سكنية منها لأغراض السكن ومنها للاستثمار، وبدورها سارعت الشركات العقارية بالتنافس في عرض المشروعات وبتسهيلات مصرفية مغرية ومشجعة إلى أن حدثت الكارثة في عدم قدرة المستفيدين على تسديد أقساط القروض ما أدى إلى انهيار بنوك كبيرة بإعلان إفلاسها فحصلت الخسائر الكبيرة التي لا يمكن وصفها .
ما دفعني للتذكير بهذه الأزمة ما رصدته من ظاهرة غريبة أثارت استغرابي وسعيت للبحث عن أسبابها ومسبِّباتها .
إن الفورة العقارية التي يشهدها العراق وخاصة العاصمة بغداد في مجال الأبنية وخاصة التجارية المتلاصقة والمتشابهة والأنشطة التجارية والخدمية في عموم بغداد لم تقتصر على المناطق التجارية فحسب إنما زحفت إلى الأحياء والأزقة السكنية .
هذه الفورة رافقها افتتاح محال وأسواق فخمة بديكورات ومزينة بأثاث راقيٍ وعلى امتداد مراكز المدن .
وحين تستفسر عن بدل الإيجار الشهري لهذه الأسواق والمحال يأتيك الجواب بأرقام مذهلة .
وأحياناً تدفع سرّ قفلية بمبالغ خيالية فيدور بالذهن تساؤل ماذا يربح صاحب هذه الأسواق ؟ وحين تنظر إلى بضاعته وأسعاره تستغرب كيف يحقق أرباحاً .
الظاهرة التي أتحدث عنها الآن بدأت بإعلانات عن بيع المحال على طول شوارع تجارية مرموقة عشرات الأسواق ويرتفع العدد في شارع محدد بعينه فواضح جلياً أن هذه الأسواق والمحال أمست غير مجدية اقتصادياً وخاسرة ويعود السبب إلى تشابه وتقارب الفعاليات التجارية من جانب ومن جانب آخر وهو الأهم البيع اون لاين (توصيل )وعبر صفحة إلكترونية تغنيك عن إيجار محل ومصاريف وأجور كهرباء وعمال ومراقبي البلدية والأتاوات المعروفة وتهرُّب ضريبي وهكذا، وهو عبء جديد للسوق الرمادية.
إن السبب في حدوث هذه الظواهر هو غياب التخطيط وسوء استخدام التصنيف البيئي والمهني والمنافسة غير الواقعية حيث تشير الشكوك إلى أن وراء هذه الظاهرة غسل أموال .
وكذا الحال بالنسبة للأزمة العقارية المحتملة بالمجمعات السكنية فنشاهد أن هناك توسعاً غير منظَّم،، صحيح أن هناك حاجة فعلية للسكن نظراً لأزمة سكنية مزمنة، إلا أن هذا التوسع ليس للحلِّ و في هذا الجانب قد تنذر بأزمة عقارية عاصفة في المستقبل .
لذا ندعو إلى ضرورة دراسة وتنظيم منح الرخص والإجازات العقارية ولعلَّ من المنطقي أن يكون التعداد السكاني الأخير المدخل الذي لابد من أن يضع المخطط في تصور عن الحاجة الفعلية للسكن والمؤشرات الحقيقية لاعتمادها في تحديد هذه الحاجة ومن ثم إطلاق الرخص تبعاً لها وأقصد الحاجة إلى السكن المناسب.