القمة والتكامل الاقتصادي العربي

ياسر المتولي

مقالات اخرى للكاتب

الأربعاء 14 أيار 2025 قبل 4 أسابيع



يحتضنُ العراق مؤتمر القمة العربية بنسخته الجديدة، الذي ينعقد في ظل ظروف دولية ومتغيرات جيو سياسية تتطلب إحياء التكامل الاقتصادي العربي لمواجهة التحديات القادمة .

إذ نعول كثيراً على انعكاسات هذه القمة في الواقع الاقتصادي العربي، حيث يشكل العراق بإمكاناته الكبيرة نقطة التقاء المصالح العربية في خلق آفاق تعاون مثمر بنّاء يعزز من هدف التكامل .

ولعل الأحداث والمتغيرات العالمية تلقي بظلالها على واقع الاقتصاد العربي، مما يتطلب خلق فرص للتعاون وتحقيق تكاملات هي بحد ذاتها احتياجات الدول العربية لبعضها واستغلال واستثمار إمكاناتها وثرواتها غير المستغلة وجعلها قوة اقتصادية عالمية تواجه فيها كل التحديات .

لذا فإن انعقاد القمة العربية في مواجهة العاصفة العالمية.. الآن، فهل ستؤسس السبيل إلى نجاح التكامل الاقتصادي هذه المرة في ظلّ تسارع المتغيرات الاقتصادية العالمية والمتمثلة بحروب تجارية وأزمات سلاسل التوريد وانزياح مراكز النفوذ الاقتصادي، إذ تُعقد القمة العربية وهي تحمل عبئاً مصيرياً لتحقيق حلم التكامل الاقتصادي العربي الذي ظلّ يراوح مكانه لعقود. اليوم، ومع ارتفاع وتيرة التحديات من انكماش اقتصادي عالمي يلوح في الأفق، وتصاعد النزاعات الإقليمية، يبرز سؤال ملحّ: هل تمتلك النخب العربية الإرادة السياسية والرؤية الاقتصادية لتحويل التكتل العربي من شعارات إلى ستراتيجيات فعلية؟.  

إن الاقتصادات العربية، رغم ثقلها النفطي واللوجستي، ما زالت تعاني من هشاشة التكامل البيني (الذي لا يتجاوز 10 % من تجارتها الخارجية)، في حين تُهدّد التحولات الخضراء والرقمية بإعادة تشكيل خريطة المنافسة العالمية. لذلك يتعين أن تكون هذه القمة الفرصة الأخيرة لصياغة نموذج عربي موحد للتعامل مع “القطبية الاقتصادية الجديدة”، سواء عبر تعزيز التبادل التجاري بالعملات المحلية، أو إنشاء منصات تمويلية مشتركة، أو حتى تبني سياسات صناعية تكاملية تُقلّل من التبعية للخارج.  

لكنّ المغزى يكمن في التفاصيل، ويبقى التساؤل الأبرز، هو هل ستتجاوز الدول العربية التنافس السياسي لصالح المصلحة الاقتصادية الجماعية، وكيف ستتعامل مع ملفات شائكة مثل التباين في السياسات النقدية واختلاف الأولويات الوطنية؟ هنا لا ينظر إلى البيانات التفاؤلية التي تخرج عادةً من مثل هذه القمم، بل إلى آليات التنفيذ والمؤشرات القابلة للقياس، فالعالم لا ينتظر، بل هو في تسارع، والمخاطر إذا لم تستثمر الفرصة التاريخية قد تُحوّل المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات الاقتصادية الكبرى بدلاً من أن تكون فاعلاً فيها.

نأمل خيراً في أن تخرج القمة باتفاقيات ناجحة لمصلحة الوطن والمواطن العربي حقاً.

جميع الحقوق محفوظة - مؤسسة قيراط للتطوير الاقتصادي 2025