المبادرة الزراعية التلقائية

ياسر المتولي

مقالات اخرى للكاتب

الأربعاء 26 شباط 2025 قبل أسبوعين


حقق القطاع الزراعي نتائج طيبة، وشهد تطورا لافتا بعد تراجع دام لسنوات ..ففي الطريق من قضاء الخالص إلى أربيل، لفت انتباهي افتراش الأراضي الشاسعة وعلى جانبي الطريق ببساط أخضر يبشر بموسم زراعي واعد، على الرغم من انحسار الأمطار وتأخرها، مع أن جزءا من هذه الأراضي غير مروية (ديمية وشبه ديمية).

 وحين تأملت هذا المشهد عادت بي الذاكرة إلى ما قبل عقد ونصف من الزمن حين تراجع الإنتاج، وكانت من بين الأسباب رفع الحكومة يدها عن الدعم  كلياً، وانفتاح الاستيراد العشوائي، الأمر الذي انعكس سلباً بتخلي الفلاح عن أرضه بحجة أن الأسعار لا تحقق التكاليف، فهبت جموع الفلاحين للهجرة إلى مراكز المحافظات والمدن والبحث عن فرص عمل بديلة إلا ما ندر .

لقد مر الاقتصاد العراقي بمراحل مختلفة، وسأخصص هذا المقال لما يتعلق بالقطاع الزراعي، كجزئية مهمة تتعلق بثاني ثروة في البلد، ولكون الأمن الغذائي الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه .

ولتوضيح أسباب التغيير والتطور اللافت، نشير إلى أن بعض إجراءات  الحكومة قد أسهمت في دعم القطاع الزراعي من خلال تنظيم استيراد المحاصيل الزراعية وتحديدها وفقاً للحاجة (حماية المنتج)، وتوجيه المصارف بتقديم  بعض القروض، إضافة إلى شراء المحاصيل من قبل الدولة بأسعار مجزية، ما شجع الفلاحين على العودة لزراعة أراضيهم بعد تحقيق الجدوى الاقتصادية من الزراعة. 

وبذلك اتجه المزارعون إلى الاعتماد على قدراتهم وإمكاناتهم في استيراد البذور والأسمدة من دون الاعتماد على الدولة، لا سيما في مجال المدخلات الزراعية، وهذا مؤشر على تحقيق المبادرة الزراعية التلقائية، أي ثقافة عدم التعويل على الدولة في كل شيء، كما قام المزارعون باستخدام وسائل الري بالتنقيط والمرشات،  مما عوض النقص الحاصل بسبب قلة الأمطار، والحصص المائية التي كانت تهدر، حيث السقي العشوائي وتغدق التربة، وبذلك ارتفع الوعي الزراعي لدى الفلاح تلقائياً بأهمية اعتماد تقنيات الري الحديثة، ودخول المنافسة في الإنتاج مع المستورد.

 هذه التجربة الرائدة حققت الاكتفاء الذاتي في عدد غير قليل من المنتجات  الزراعية، وفي مقدمتها المحاصيل الستراتيجية الحنطة والذرة، وهما عنصران أساسيان في تحقيق الأمن الغذائي، إضافة إلى الخضار والمحاصيل الزراعية الأخرى، ورافق ذلك نمو وتطور في الإنتاج الحيواني وملحقاته، وبذلك تحققت  فرص عمل واعدة.

أقول؛ نتمنى أن تكون انعكاسات هذه التجربة في باقي القطاعات الإنتاجية، خصوصاً في مجال الصناعة وخلق قناعات لدى الصناعيين بعدم الاعتماد كلياً على الدولة في توفير كافة المتطلبات، أي مطلوب مبادرة صناعية طوعية ( تلقائية)، وعدم جعل موضوع رفع الدولة يدها عن بعض متطلبات ومستلزمات الصناعة شماعة يتعكز عليها البعض في مغادرة الإنتاج،  وضرورة قيام الصناعيين بتحدي المنتجات المستوردة، وهذا ما نتلمسه حالياً في عدد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وهي الأساس في تحريك هذا القطاع الحيوي والمهم.

وخلاصة القول، أن مسؤولية الدولة تتلخص في توفير قوانين حمائية صارمة، ودعم الجوانب ذات الصبغة المالية كالقروض الميسرة، وترك الإنتاج يتولاه القطاع الخاص، ليبقى دورها  إشرافيا وتخطيطيا، وهنا نسأل؛ أما حان الوقت لخصخصة المشاريع المعطلة والخاسرة ؟.

جميع الحقوق محفوظة - مؤسسة قيراط للتطوير الاقتصادي 2025