النفوذ الاقتصادي

ياسر المتولي

مقالات اخرى للكاتب

الخميس 1 أيار 2025 قبل شهر واحد

في خضم المتغيرات العالمية والأحداث والتوترات التي يشهدها العالم، خاصة في الشرق الأوسط، المتمثلة في حروب وصراعات متواصلة، نجد أن الولايات المتحدة الأميركية منهمكة تمامًا في محاولة بسط نفوذها الاقتصادي على العالم بتدخلاتها في جميع الأحداث، والتلويح بالحروب الناعمة والخشنة. على عكس ذلك تجد الصين، وهي المنافس الأكبر لأميركا في قيادة النظام الاقتصادي العالمي الجديد، تتبع سياسة النفوذ الاقتصادي على دول العالم عن طريق استثماراتها في تلك الدول، وهي سياسة اقتصادية ناعمة .
وهناك تناقض واضح في سياسة أميركا بين ما أعلن عن نيتها تحقيق سلام وإيقاف الحروب، وما تفعله في عديد مناطق التوتر .ومن المفيد هنا تسليط الأضواء على سياسة الصين في بسط نفوذها، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن حجم استثمارات الصين قد توسع في إفريقيا وأميركا الجنوبية، بواقع ترليون دولار كاستثمارات في البنى التحتية في تلك الدول، وهذا مايثر مخاوف أوروبا وأميركا نفسها .كما أن تصاعد القلق الغربي من الصين يعود إلى أنها، وأقصد الصين، أصبحت اكبر مصنع في العالم، أو مصنع العالم، كما تسمى، حيث تضم 2000 مجموعة صناعية، ما جعلها تكتسح صناعات السيارات والذكاء الاصطناعي، وحتى السويشال ميديا، حول الأرض.
وتتفوق الصين كذلك في مجال الصناعات الحساسة، إذ تستحوذ على 37 تقنية من أصل 44 تقنية عالميًا في مجال الفضاء والطاقة الخضراء والتكنولوجيا، بحسب ذات التقارير التي نوهنا عنها.
ولعل واحدًا من عوامل التوجس الأميركي والغربي من الصين كونها أصبحت أكبر دولة مصدرة في العالم، وبقيمة تصديرية سلعية تتجاوز 3.4 ترليون دولار سنويًا. إن هذا التحول الكبير الذي شهدته الصين وحققته خلال خمسة عقود، من دولة فقيرة إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، حيث يبلغ حجم اقتصادها 19 ترليون دولار، أي ما يعادل حجم اقتصاد 27دولةً أوربية، وفقاً لتقارير دولية، جعلها أقوى منافس لأميركا في قيادة النظام الاقتصادي الدولي، ودفع الولايات المتحدة الأميركية إلى دغدغة الصين للتفاوض من جانب، وتهديدات مبطنة من جانب آخر .
يرى المراقبون أن النتيجة النهائية ستفضي إلى تقاسم النفوذ الاقتصادي بين العملاقين، مع استبعاد قيام حرب عالمية ثالثة من خلال مؤشرات التقارب بين القوتين العظميين .
فالتفوق الذي حققته الصين دفع بترامب إلى زيادة التعرفة الكمركية على الإيرادات الصينية لأميركا، معلنًا بذلك بداية الحرب التجارية، وهي حروب ناعمة. سبق ذلك رفع التعرفة الكمركية على كندا والمكسيك بواقع 25بالمئة على بضائعها .إلا أن الصين جابهت هذا الإجراء بإجراء مماثل، حيث فرضت تعرفة كمركية على المنتجات الزراعية الأميركية المصدرة إلى الصين، إضافة إلى منعها عشرات الشركات الأميركية من العمل داخل الصين .
إن هذا الإجراء الصيني قاد أميركا إلى مائدة التفاوض مع الصين، وهنا العالم يترقب، وهو على يقين من أن الصين بسياستها المعتدلة والناعمة ستتفوق على أميركا، واحتمال صعودها إلى المرتبة الأولى في قيادة النظام الاقتصادي الدولي، فيما يجمع الخبراء في نهاية المطاف على تقاسم النفوذ فيما بينهما في خضم سباق تقني وعسكري واقتصادي وتجاري لا حدود له.

جميع الحقوق محفوظة - مؤسسة قيراط للتطوير الاقتصادي 2025