توطين الذهب

ياسر المتولي

مقالات اخرى للكاتب

الأربعاء 19 شباط 2025 قبل 3 أسابيع

يكتسب القرار الحكومي بتوطين صناعة الذهب والمعادن الثمينة الأخرى أهمية كبيرة، بوصفه من القرارات الاقتصادية المهمةً، لاعتبار الذهب عماد ضمانة اقتصاد أي بلد من الانهيارات التي قد تحدث في فترات الأزمات المالية الدورية، ولأسباب منها طبيعية خلال فترات الدورة الاقتصادية، وأخرى سياسية،   وكذلك الحروب وغيرها .

يأتي هذا القرار متسقاً مع ما تناولته في مقالين سابقين نشرا هنا في اقتصادية “الصباح”، إذ حمل الأول عنوان (الثروة المنسية)، وذلك في شهر كانون الأول من العام 2024، وحمل المقال الثاني عنوان (التحوط بالذهب استثمار آمن)، وذلك في شهر آذار من العام ذاته  (2024).

وقد نبهت فيهما إلى أهمية الاستفادة من التجارب العالمية في استثمارها للذهب كوسيلة فاعلة لتنويع مصادر الدخل والثروة، وكبديل آمن عن الاحتياطي النقدي المتمثل بالدولار، تلافياً لعقوبات تفرض من قبل الفيدرالي الأمريكي على الدول، لكونه هو المالك لعملة الدولار، وهناك شواهد عديدة وقريبة في عديد من الدول .

 إن هذه الثروة باتت منسية وطويت صفحتها بعد تحول العالم إلى عدم تقييم عملاتها بحجم ما تمتلكه من الذهب، ولعل ما أعاد إلى الأذهان حقيقة أهمية هذه الثروة المنسية (الذهب)، ما تعرض له بعض الدول من  عقوبات اقتصادية تفرضها الدول العظمى لأسباب مختلفة، بهيئة عقوبات اقتصادية، وأمثلة عديدة متوفرة جرت في وقت قريب وليس ببعيد عن واقعنا الحالي .

وأقرب مثال يمكن استذكاره، هو ما تعرضت له فنزويلا من عقوبات اقتصادية محرجة حالت دون توفر ما يسد رمق العيش لشعبها، مما اضطر حكومتها إلى الرجوع إلى ثروة الذهب والتصرف ببيعها من أجل مواجهة الحصار الاقتصادي الذي فرض عليها. 

كما أن توقعات خبراء الاقتصاد تفيد بأن روسيا قد تضطر إلى بيع احتياطياتها من الذهب، كآخر خيار في مواجهة العقوبات الأميركية إن طال أمدها .

هذه الصورة اتضحت ملامحها مع إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية، مع تصاعد سقف العقوبات الأمريكية الأوربية على روسيا، وبالفعل تضع روسيا هذا الاحتمال كآخر خيار بعد أن تستنفد مقومات مواجهة الحصار والعقوبات .

 وعليه يبدو أن الحكومة العراقية تحاول الاستفادة من تلك التجارب المريرة، وعليه قررت أن تعطي معدن الذهب أولوية في الاهتمام من خلال توطين صناعته ودعم العاملين في هذا القطاع كخيار أمثل .

إن إدراك الحكومة لأهمية احتياطات الذهب كاحتياطي مضمون في مواجهة الطوارئ والظروف الحرجة، يجعلها تولي هذا القطاع أهمية كبيرة في المستقبل .

من المفيد الإشارة إلى أن العراق يحتل مرتبة متقدمة في احتياطي الذهب النقدي، إذ يعد الرابع عربيا والثلاثين عالميا، وبواقع 152 طنا من الذهب النقدي . 

ولعل سعي البنك المركزي العراقي إلى زيادة حجم احتياطي العراق من الذهب يعكس أهميته في رصانة ومتانة اقتصاد البلد .

إن المبادرة الحكومية الجديدة في توطين صناعة الذهب، ستسهم في تشجيع المواطنين على الاستثمار في الذهب، وإعادة فكرة اقتنائه للزينة وللادخار عند الحاجة، كما سيحقق هذا القرار جدوى اقتصادية من خلال المحافظة على الذهب من تصديره للخارج، وتوفير العملات الصعبة جراء الاستيرادات، وتوفير فرص عمل للشباب العاطل في هذه المهنة المربحة .

الخطوة المهمة التالية، أنه يتعين تكييف وتعديل القوانين والإجراءات اللازمة لتسهيل عملية ولادة هذه الصناعة المهمة في جذب رؤوس الأموال، سواء الداخلية أو الخارجية، التي لها الأولوية لجذب المستثمرين للاستثمار في مجال آمن ومضمون الربح.

جميع الحقوق محفوظة - مؤسسة قيراط للتطوير الاقتصادي 2025